فصل: فصل: شراء نصاب من السائمة للتجارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وإن اكترى دارا فوجد فيها ركازا‏,‏ فهو لواجده في أحد الوجهين والآخر هو للمالك‏,‏ بناء على الروايتين في من وجد ركازا في ملك انتقل إليه وإن اختلفا‏,‏ فقال كل واحد منهما‏:‏ هذا لي فعلى وجهين‏:‏ أحدهما القول قول المالك لأن الدفن تابع للأرض والثاني القول قول المكتري لأن هذا مودع في الأرض‏,‏ وليس منها فكان القول قول من يده عليها كالقماش القسم الرابع‏,‏ أن يجده في أرض الحرب فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة لهم‏,‏ وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده حكمه حكم ما لو وجده في موات في أرض المسلمين وقال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي‏:‏ إن عرف مالك الأرض وكان حربيا فهو غنيمة أيضا لأنه في حرز مالك معين فأشبه ما لو أخذه من بيت أو خزانة ولنا‏,‏ أنه ليس لموضعه مالك محترم أشبه ما لو لم يعرف مالكه ويخرج لنا مثل قولهم بناء على قولنا إن الركاز في دار الإسلام يكون لمالك الأرض‏.‏

الفصل الثالث‏:‏

في صفة الركاز الذي فيه الخمس‏,‏ وهو كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر والنحاس والآنية وغير ذلك وهو قول إسحاق وأبي عبيد‏,‏ وابن المنذر وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن مالك‏,‏ وأحد قولي الشافعي والقول الآخر‏:‏ لا تجب إلا في الأثمان ولنا عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏وفي الركاز الخمس‏)‏ ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار‏,‏ فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه كالغنيمة إذا ثبت هذا فإن الخمس يجب في قليله وكثيره في قول إمامنا‏,‏ ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في القديم وقال في الجديد‏:‏ يعتبر النصاب فيه لأنه حق مال يجب فيما استخرج من الأرض‏,‏ فاعتبر فيه النصاب كالمعدن والزرع ولنا عموم الحديث‏,‏ ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له نصاب كالغنيمة‏,‏ ولأنه مال كافر مظهور عليه في الإسلام فأشبه الغنيمة والمعدن والزرع يحتاج إلى عمل ونوائب‏,‏ فاعتبر فيه النصاب تخفيفا بخلاف الركاز ولأن الواجب فيهما مواساة‏,‏ فاعتبر النصاب ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه بخلاف مسألتنا‏.‏

الفصل الرابع‏:‏

في قدر الواجب في الركاز ومصرفه‏,‏ أما قدره فهو الخمس لما قدمناه من الحديث والإجماع وأما مصرفه فاختلفت الرواية عن أحمد فيه مع ما فيه من اختلاف أهل العلم فقال الخرقي‏:‏ هو لأهل الصدقات ونص عليه أحمد‏,‏ في رواية حنبل فقال‏:‏ يعطي الخمس من الركاز على مكانه وإن تصدق به على المساكين أجزأه وهذا قول الشافعي لأن علي بن أبي طالب‏,‏ أمر صاحب الكنز أن يتصدق به على المساكين حكاه الإمام أحمد وقال‏:‏ حدثنا سعيد حدثنا سفيان‏,‏ عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من قومه يقال له‏:‏ ابن حممة قال‏:‏ سقطت على جرة من دير قديم بالكوفة‏,‏ عند جبانة بشر فيها أربعة آلاف درهم فذهبت بها إلى علي ـ رضي الله عنه ـ فقال‏:‏ اقسمها خمسة أخماس فقسمتها‏,‏ فأخذ على منها خمسا وأعطانى أربعة أخماس فلما أدبرت دعاني‏,‏ فقال‏:‏ في جيرانك فقراء ومساكين‏؟‏ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ فخذها فاقسمها بينهم ولأنه مستفاد من الأرض أشبه المعدن والزرع والرواية الثانية مصرفه مصرف الفيء نقله محمد بن الحكم‏,‏ عن أحمد وهذه الرواية أصح وأقيس على مذهبه وبه قال أبو حنيفة والمزني لما روى أبو عبيد‏,‏ عن هشيم عن مجالد عن الشعبي أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارجا من المدينة فأتى بهما عمر بن الخطاب‏,‏ فأخذ منها الخمس مائتى دينار ودفع إلى الرجل بقيتها وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين‏,‏ إلى أن فضل منها فضلة فقال‏:‏ أين صاحب الدنانير‏؟‏ فقام إليه فقال عمر‏:‏ خذ هذه الدنانير فهي لك ولو كانت زكاة خص بها أهلها‏,‏ ولم يرده على واجده ولأنه يجب على الذمى والزكاة لا تجب عليه‏,‏ ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكافر أشبه خمس الغنيمة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا أخرج من المعادن من الذهب عشرين مثقالا أو من الورق مائتي درهم‏,‏ أو قيمة ذلك من الزئبق والرصاص والصفر أو غير ذلك مما يستخرج من الأرض فعليه الزكاة من وقته ‏)‏ اشتقاق المعدن من عدن في المكان يعدن‏:‏ إذا أقام به ومنه سميت جنة عدن‏,‏ لأنها دار إقامة وخلود قال أحمد‏:‏ المعادن‏:‏ هي التي تستنبط ليس هو شيء دفن والكلام في هذه المسألة في فصول أربعة‏:‏

أحدها‏:‏ في صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة وهو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة‏,‏ كالذي ذكره الخرقي ونحوه من الحديد والياقوت والزبرجد‏,‏ والبلور والعقيق والسبج‏,‏ والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة وكذلك المعادن الجارية‏,‏ كالقار والنفط والكبريت‏,‏ ونحو ذلك وقال مالك والشافعي‏:‏ لا تتعلق الزكاة إلا بالذهب والفضة لقول النبي‏:‏ - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا زكاة في حجر‏)‏ ولأنه مال يقوم بالذهب والفضة مستفاد من الأرض أشبه الطين الأحمر وقال أبو حنيفة‏,‏ في إحدى الروايتين عنه‏:‏ تتعلق الزكاة بكل ما ينطبع كالرصاص والحديد والنحاس دون غيره ولنا‏,‏ عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 167‏]‏‏.‏ ولأنه معدن فتعلقت الزكاة بالخارج منه كالأثمان ولأنه مال لو غنمه وجب عليه خمسه‏,‏ فإذا أخرجه من معدن وجبت الزكاة كالذهب وأما الطين فليس بمعدن لأنه تراب والمعدن‏:‏ ما كان في الأرض من غير جنسها‏.‏

الفصل الثاني‏:‏

في قدر الواجب وصفته وقدر الواجب فيه ربع العشر وصفته أنه زكاة وهذا قول عمر بن عبد العزيز ومالك وقال أبو حنيفة‏:‏ الواجب فيه الخمس‏,‏ وهو فيء واختاره أبو عبيد وقال الشافعي‏:‏ هو زكاة واختلف قوله في قدره كالمذهبين واحتج من أوجب الخمس بقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏ما لم يكن في طريق مأتى ولا في قرية عامرة‏,‏ ففيه وفي الركاز الخمس‏)‏ رواه النسائي والجوزجانى وغيرهما وفي رواية‏:‏ ‏(‏ما كان في الخراب‏,‏ ففيه وفي الركاز الخمس‏)‏ وروى سعيد والجوزجانى بإسنادهما عن عبد الله بن سعيد المقبري‏,‏ عن أبيه عن أبى هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏الركاز هو الذهب الذي ينبت من الأرض‏)‏ وفي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏وفي الركاز الخمس‏,‏ قيل‏:‏ يا رسول الله وما الركاز‏؟‏ قال‏:‏ هو الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض‏)‏ وهذا نص وفي حديث عنه عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏وفي السيوب الخمس‏)‏ قال‏:‏ والسيوب عروق الذهب والفضة التي تحت الأرض ولأنه مال مظهور عليه في الإسلام‏,‏ أشبه الركاز ولنا ما روى أبو عبيد بإسناده عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن‏,‏ عن غير واحد من علمائهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أقطع بلال بن الحارث المزنى معادن القبلية في ناحية الفرع قال‏:‏ فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم‏)‏ وقد أسنده عبد الله بن كثير بن عوف‏,‏ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن أبيه عن جده ورواه الدراوردى عن ربيعة بن الحارث بن بلال بن الحارث المزنى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخذ منه زكاة المعادن القبلية‏)‏ قال أبو عبيد‏:‏ القبلية بلاد معروفة بالحجاز ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوى القربى‏,‏ فكان زكاة كالواجب في الأثمان التي كانت مملوكة له وحديثهم الأول لا يتناول محل النزاع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما ذكر ذلك في جواب سؤاله عن اللقطة وهذا ليس بلقطة‏,‏ ولا يتناول اسمها فلا يكون متناولا لمحل النزاع والحديث الثاني يرويه عبد الله بن سعيد وهو ضعيف وسائر أحاديثهم لا يعرف صحتها‏,‏ ولا هي مذكورة في المسانيد والدواوين ثم هي متروكة الظاهر فإن هذا ليس هو المسمى بالركاز والسيوب‏:‏ هو الركاز لأنه مشتق من السيب وهو العطاء الجزيل‏.‏

‏.‏

الفصل الثالث‏:‏

في نصاب المعادن وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالا‏,‏ ومن الفضة مائتى درهم أو قيمة ذلك من غيرهما وهذا مذهب الشافعي وأوجب أبو حنيفة الخمس في قليله وكثيره من غير اعتبار نصاب‏,‏ بناء على أنه ركاز لعموم الأحاديث التي احتجوا بها عليه ولأنه لا يعتبر له حول فلم يعتبر له نصاب كالركاز ولنا‏,‏ عموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ليس في تسعين ومائة شيء‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالا‏)‏ وقد بينا أن هذا ليس بركاز وأنه مفارق للركاز من حيث إن الركاز مال كافر أخذ في الإسلام‏,‏ فأشبه الغنيمة وهذا وجب مواساة وشكرا لنعمة الغنى فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات وإنما لم يعتبر له الحول لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار إذا ثبت هذا فإنه يعتبر إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات‏,‏ لا يترك العمل بينهن ترك إهمال فإن خرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا له‏,‏ ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما وإن بلغا بمجموعهما نصابا وإن بلغ أحدهما نصابا دون الآخر زكى النصاب‏,‏ ولا زكاة في الآخر وفيما زاد على النصاب بحسابه فأما ترك العمل ليلا أو للاستراحة أو لعذر من مرض‏,‏ أو لإصلاح الأداة أو إباق عبيده ونحوه فلا يقطع حكم العمل‏,‏ ويضم ما خرج في العملين بعضه إلى بعض في إكمال النصاب وكذلك إن كان مشتغلا بالعمل فخرج بين المعدنين تراب لا شيء فيه وإن اشتمل المعدن على أجناس‏,‏ كمعدن فيه الذهب والفضة فذكر القاضي‏:‏ أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأنه يعتبر النصاب في الجنس بانفراده لأنه أجناس فلا يكمل نصاب أحدهما بالآخر‏,‏ كغير المعدن والصواب إن شاء الله أنه إن كان المعدن يشتمل على ذهب وفضة ففي ضم أحدهما إلى الآخر وجهان بناء على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر في غير المعدن‏,‏ وإن كان فيه أجناس من غير الذهب والفضة ضم بعضها إلى بعض لأن الواجب في قيمتها‏,‏ والقيمة واحدة فأشبهت عروض التجارة وإن كان فيها أحد النقدين وجنس آخر‏,‏ ضم أحدهما إلى الآخر كما تضم العروض إلى الأثمان وإن استخرج نصابا من معدنين وجبت الزكاة فيه لأنه مال رجل واحد‏,‏ فأشبه الزرع في مكانين‏.‏

الفصل الرابع‏:‏

في وقت الوجوب وتجب الزكاة فيه حين يتناوله ويكمل نصابه ولا يعتبر له حول وهذا قول مالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وقال إسحاق وابن المنذر‏:‏ لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏)‏ ولنا‏,‏ أنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول كالزرع والثمار والركاز‏,‏ ولأن الحول إنما يعتبر في غير هذا لتكميل النماء وهو يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلا يعتبر له حول كالزروع‏,‏ والخبر مخصوص بالزرع والثمر فيخص محل النزاع بالقياس عليه إذا ثبت هذا فلا يجوز إخراج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته‏,‏ كعشر الحب فإن أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقيا‏,‏ أو قيمته إن كان تالفا والقول في قدر المقبوض قول الآخذ لأنه غارم فإن صفاه الآخذ فكان قدر الزكاة‏,‏ أجزأ وإن زاد رد الزيادة إلا أن يسمح له المخرج وإن نقص فعلى المخرج وما أنفقه الآخذ على تصفيته‏,‏ فهو من ماله لا يرجع به على المالك ولا يحتسب المالك ما أنفقه على المعدن في استخراجه من المعدن ولا في تصفيته وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تلزمه المؤنة من حقه وشبهه بالغنيمة‏,‏ وبناه على أصله في أن هذا ركاز فيه الخمس وقد مضى الكلام في ذلك وقد ذكرنا أن الواجب في هذا زكاة فلا يحتسب بمؤنة استخراجه فتصفيته كالحب وإن كان ذلك دينا عليه احتسب به‏,‏ كما يحتسب بما أنفق على الزرع‏.‏

فصل‏:‏

ولا زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ونحوه في ظاهر قول الخرقي‏,‏ واختيار أبى بكر وروى نحو ذلك عن ابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومالك‏,‏ والثوري وابن أبى ليلى والحسن بن صالح‏,‏ والشافعي وأبو حنيفة ومحمد‏,‏ وأبو ثور وأبو عبيد وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ أن فيه الزكاة لأنه خارج من معدن فأشبه الخارج من معدن البر ويحكى عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ من العنبر الخمس وهو قول الحسن‏,‏ والزهري وزاد الزهري في اللؤلؤ يخرج من البحر ولنا أن ابن عباس قال‏:‏ ليس في العنبر شيء إنما هو شيء ألقاه البحر وعن جابر نحوه رواهما أبو عبيد ولأنه قد كان يخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخلفائه‏,‏ فلم يأت فيه سنة عنه ولا عن أحد من خلفائه من وجه يصح ولأن الأصل عدم الوجوب فيه‏,‏ ولا يصح قياسه على معدن البر لأن العنبر إنما يلقيه البحر فيوجد ملقى في البر على الأرض من غير تعب فأشبه المباحات المأخوذة من البر‏,‏ كالمن والزنجبيل وغيرهما وأما السمك فلا شيء فيه بحال في قول أهل العلم كافة‏,‏ إلا شيء يروى عن عمر بن عبد العزيز رواه أبو عبيد عنه وقال‏:‏ ليس الناس على هذا ولا نعلم أحدا يعمل به وقد روى ذلك عن أحمد أيضا والصحيح أن هذا لا شيء فيه لأنه صيد فلم يجب فيه زكاة كصيد البر‏,‏ ولأنه لا نص ولا إجماع على الوجوب فيه ولا يصح قياسه على ما فيه الزكاة فلا وجه لإيجابها فيه‏.‏

فصل‏:‏

والمعادن الجامدة تملك بملك الأرض التي هي فيها لأنها جزء من أجزاء الأرض‏,‏ فهي كالتراب والأحجار الثابتة بخلاف الركاز فإنه ليس من أجزاء الأرض‏,‏ وإنما هو مودع فيها وقد روى أبو عبيد بإسناده عن عكرمة مولى بلال بن الحارث المزنى قال‏:‏ ‏(‏أقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بلالا أرض كذا‏,‏ من مكان كذا إلى كذا وما كان فيها من جبل أو معدن قال‏:‏ فباع بنو بلال من عمر بن عبد العزيز أرضا فخرج فيها معدنان‏,‏ فقالوا‏:‏ إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعدن وجاءوا بكتاب القطيعة التي قطعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأبيهم في جريدة قال‏:‏ فجعل عمر يمسحها على عينيه‏,‏ وقال لقيمه‏:‏ انظر ما استخرجت منها وما أنفقت عليها فقاصهم بالنفقة‏,‏ ورد عليهم الفضل‏)‏ فعلى هذا ما يجده في ملك أو في موات فهو أحق به فإن سبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به ما دام يعمل‏,‏ فإذا تركه جاز لغيره العمل فيه وما يجده في مملوك يعرف مالكه فهو لمالك المكان فأما المعادن الجارية فهي مباحة على كل حال إلا أنه يكره له دخول ملك غيره إلا بإذنه وقد روى أنها‏:‏ تملك بملك الأرض التي هي فيها لأنها من نمائها وتوابعها‏,‏ فكانت لمالك الأرض كفروع الشجر المملوك وثمرته‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز بيع تراب المعدن والصاغة بغير جنسه ولا يجوز بجنسه إن كان مما يجرى فيه الربا لأنه يؤدى إلى الربا والزكاة على البائع لأنها وجبت في يده‏,‏ كما لو باع الثمرة بعد بدو صلاحها وقد روى أبو عبيد في الأموال أن أبا الحارث المزنى اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة فقال له البائع‏:‏ رد على البيع فقال‏:‏ لا أفعل فقال‏:‏ لآتين عليا فلآتين عليك - يعنى أسعى بك - فأتى على بن أبى طالب فقال‏:‏ إن أبا الحارث أصاب معدنا فأتاه على فقال‏:‏ أين الركاز الذي أصبت‏؟‏ فقال ما أصبت ركازا إنما أصابه هذا‏,‏ فاشتريته منه بمائة شاة متبع فقال له على ما أرى الخمس إلا عليك قال‏:‏ فخمس المائة شاة إذا ثبت هذا فالواجب عليه زكاة المعدن لا زكاة الثمن لأن الزكاة إنما تعلقت بعين المعدن‏,‏ أو بقيمته إن لم يكن من جنس الأثمان فأشبه ما لو باع السائمة بعد حولها أو الزرع أو الثمرة بعد بدو صلاحها‏.‏

فصل‏:‏

ومن أجر داره‏,‏ فقبض كراها فلا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول وعن أحمد أنه يزكيه إذا استفاده والصحيح الأول لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏)‏ ولأنه مال مستفاد بعقد معاوضة‏,‏ فأشبه ثمن المبيع وكلام أحمد في الرواية الأخرى محمول على من أجر داره سنة‏,‏ وقبض أجرتها في آخرها فأوجب عليها زكاتها لأنه قد ملكها من أول الحول‏,‏ فصارت كسائر الديون إذا قبضها بعد حول زكاها حين يقبضها فإنه قد صرح بذلك في بعض الروايات عنه‏,‏ فيحمل مطلق كلامه على مقيده‏.‏

تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة في قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول روى ذلك عن عمر‏,‏ وابنه وابن عباس وبه قال الفقهاء السبعة والحسن‏,‏ وجابر بن زيد وميمون بن مهران وطاوس‏,‏ والنخعي والثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وأبو عبيد وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وحكى عن مالك وداود أنه لا زكاة فيها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق‏)‏ ولنا‏,‏ ما روى أبو داود بإسناده عن سمرة بن جندب قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع‏)‏ وروى الدارقطني‏,‏ عن أبى ذر قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها‏,‏ وفي البز صدقته‏)‏ قاله بالزاى ولا خلاف أنها لا تجب في عينه وثبت أنها تجب في قيمته وعن أبى عمرو بن حماس‏,‏ عن أبيه قال‏:‏ أمرنى عمر فقال‏:‏ أد زكاة مالك فقلت‏:‏ ما لي مال إلا جعاب وأدم فقال‏:‏ قومها ثم أد زكاتها رواه الإمام أحمد‏,‏ وأبو عبيد وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا وخبرهم المراد به زكاة العين لا زكاة القيمة‏,‏ بدليل ما ذكرنا على أن خبرهم عام وخبرنا خاص فيجب تقديمه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ والعروض إذا كانت لتجارة قومها إذا حال عليها الحول‏,‏ وزكاها

العروض‏:‏ جمع عرض وهو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه من النبات والحيوان والعقار وسائر المال فمن ملك عرضا للتجارة‏,‏ فحال عليه حول وهو نصاب قومه في آخر الحول‏,‏ فما بلغ أخرج زكاته وهو ربع عشر قيمته ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في اعتبار الحول وقد دل عليه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏)‏ إذا ثبت هذا فإن الزكاة تجب فيه في كل حول وبهذا قال الثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال مالك‏:‏ لا يزكيه إلا لحول واحد‏,‏ إلا أن يكون مدبرا لأن الحول الثاني لم يكن المال عينا في أحد طرفيه فلم تجب فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عينا ولنا‏,‏ أنه مال تجب الزكاة فيه في الحول الأول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدل صفته‏,‏ فوجبت زكاته في الحول الثاني كما لو نقص في أوله ولا نسلم أنه إذا لم يكن في أوله عينا لا تجب الزكاة فيه وإذا اشترى عرضا للتجارة بعرض للقنية‏,‏ جرى في حول الزكاة من حين اشتراه‏.‏

فصل‏:‏

ويخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها وهذا أحد قولي الشافعي وقال في آخر‏:‏ هو مخير بين الإخراج من قيمتها وبين الإخراج من عينها وهذا قول أبى حنيفة لأنها مال تجب فيه الزكاة فجاز إخراجها من عينه‏,‏ كسائر الأموال ولنا أن النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال ولا نسلم أن الزكاة تجب في المال وإنما وجبت في قيمته‏.‏

فصل‏:‏

ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين أحدهما أن يملكه بفعله‏,‏ كالبيع والنكاح والخلع‏,‏ وقبول الهبة والوصية والغنيمة‏,‏ واكتساب المباحات لأن ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كالصوم ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض ذكر ذلك أبو الخطاب وابن عقيل لأنه ملكه بفعله‏,‏ أشبه الموروث والثاني أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك وإن ملكه بإرث وقصد أنه للتجارة‏,‏ لم يصر للتجارة لأن الأصل القنية والتجارة عارض فلم يصر إليها بمجرد النية‏,‏ كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم السفر بدون الفعل وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية ‏(‏لقول سمرة‏:‏ أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع‏)‏ فعلى هذا لا يعتبر أن يملكه بفعله ولا أن يكون في مقابلة عوض بل متى نوى به التجارة صار للتجارة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ملك نصابًا للتجارة في أوقات متفرقة‏,‏ لم يضم بعضها إلى بعض لما بينا من أن المستفاد لا يضم إلى ما عنده في الحول وإن كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثانى نصابا فحولهما من حين ملك الثاني ونماؤهما تابع لهما‏,‏ ولا يضم الثالث إليهما بل ابتداء الحول من حين ملكه وتجب فيه الزكاة وإن كان دون النصاب لأن قبله نصابا ولهذا يخرج عنه بالحصة‏,‏ ونماؤه تابع له‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وتقوم السلع إذا حال الحول بالأحظ للمساكين من عين أو ورق ولا يعتبر ما اشتريت به يعنى إذا حال الحول على العروض وقيمتها بالفضة نصاب‏,‏ ولا تبلغ نصابا بالذهب قومناها بالفضة ليحصل للفقراء منها حظ ولو كانت قيمتها بالفضة دون النصاب وبالذهب تبلغ نصابا قومناها بالذهب لتجب الزكاة فيها ولا فرق بين أن يكون اشتراؤها بذهب أو فضة أو عروض وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ تقوم بما اشتراه من ذهب أو فضة لأن نصاب العروض مبنى على ما اشتراه به‏,‏ فيجب أن تجب الزكاة فيه وتعتبر به كما لو لم يشتر به شيئا ولنا أن قيمته بلغت نصابا فتجب الزكاة فيه كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملان‏,‏ تبلغ قيمة العروض بأحدهما نصابا ولأن تقويمه لحظ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل وأما إذا لم يشتر بالنقد شيئا‏,‏ فإن الزكاة في عينه لا في قيمته بخلاف العرض‏,‏ إلا أن يكون النقد معدا للتجارة فينبغي أن تجب الزكاة فيه إذا بلغت قيمته بالنقد الآخر نصابا وإن لم تبلغ بعينه نصابا لأنه مال تجارة بلغت قيمته نصابا‏,‏ فوجبت زكاته كالعروض فأما إذا بلغت قيمة العروض نصابا بكل واحد من الثمنين قومه بما شاء منهما‏,‏ وأخرج ربع عشر قيمته من أي النقدين شاء لكن الأولى أن يخرج من النقد المستعمل في البلد لأنه أحظ للمساكين‏,‏ وإن كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال لذلك فإن تساويا أخرج من أيهما شاء وإذا باع العروض بنقد وحال الحول عليه‏,‏ قوم النقد دون العروض لأنه إنما يقوم ما حال عليه الحول دون غيره‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اشترى عرضا للتجارة بنصاب من الأثمان أو بما قيمته نصاب من عروض التجارة‏,‏ بنى حول الثاني على الحول الأول لأن مال التجارة إنما تتعلق الزكاة بقيمته وقيمته هي‏:‏ الأثمان نفسها وكما إذا كانت ظاهرة فخفيت‏,‏ فأشبه ما لو كان له نصاب فأقرضه لم ينقطع حوله بذلك وهكذا الحكم إذا باع العرض بنصاب أو بعرض قيمته نصاب لأن القيمة كانت خفية فظهرت‏,‏ أو بقيت على خفائها فأشبه ما لو كان له قرض فاستوفاه أو أقرضه إنسانا آخر‏,‏ ولأن النماء في الغالب في التجارة إنما يحصل بالتقليب ولو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي وجبت فيه الزكاة لأجله يمنعها لأن الزكاة لا تجب إلا في مال نام وإن قصد بالأثمان غير التجارة لم ينقطع الحول أيضا وقال الشافعي‏:‏ ينقطع قولا واحدا لأنه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به‏,‏ كالسائمة ولنا أنه من جنس القيمة التي تتعلق الزكاة بها فلم ينقطع الحول ببيعها به‏,‏ كما لو قصد به التجارة وفارق السائمة فإنها من غير جنس القيمة‏,‏ فأما إن أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة ولم ينو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر لأنهما مختلفان وإن أبدله بعرض للقنية‏,‏ بطل الحول وإن اشترى عرض التجارة بعرض القنية انعقد عليه الحول من حين ملكه إن كان نصابا لأنه اشتراه بما لا زكاة فيه فلم يمكن بناء الحول عليه وإن اشتراه بنصاب من السائمة‏,‏ لم يبن على حوله لأنهما مختلفان وإن اشتراه بما دون النصاب من الأثمان أو من عروض التجارة انعقد عليه الحول من حين تصير قيمته نصابا لأن مضى الحول على نصاب كامل شرط لوجوب الزكاة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اشترى للتجارة نصابا من السائمة‏,‏ فحال الحول والسوم ونية التجارة موجودان زكاه زكاة التجارة وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ والثوري وقال مالك والشافعي في الجديد‏:‏ يزكيها زكاة السوم لأنها أقوى لانعقاد الإجماع عليها‏,‏ واختصاصها بالعين فكانت أولى ولنا أن زكاة التجارة أحظ للمساكين لأنها تجب فيما زاد بالحساب‏,‏ ولأن الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فيجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصابا وإن سبق وقت وجوب زكاة السوم وقت وجوب زكاة التجارة‏,‏ مثل أن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتى درهم ثم صارت قيمتها في نصف الحول مائتى درهم فقال القاضي‏:‏ يتأخر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة لأنه أنفع للفقراء‏,‏ وإلا يفضي التأخير إلى سقوطها لأن الزكاة تجب فيها إذا تم حول التجارة ويحتمل أن تجب زكاة العين عند تمام حولها لوجود مقتضيها من غير معارض فإذا تم حول التجارة وجبت زكاة الزائد عن النصاب لوجود مقتضيها لأن هذا مال للتجارة‏,‏ حال الحول عليه وهو نصاب ولا يمكن إيجاب الزكاتين بكمالهما لأنه يفضي إلى إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد‏,‏ فلم يجز ذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏لا تثنى في الصدقة‏)‏ وفارق هذا زكاة التجارة وزكاة الفطر فإنهما يجتمعان لأنهما بسببين‏,‏ فإن زكاة الفطر تجب عن بدن الإنسان المسلم طهرة له وزكاة التجارة تجب عن قيمته شكرا لنعمة الغنى ومواساة للفقراء فأما إن وجد نصاب السوم دون نصاب التجارة‏,‏ مثل أن يملك ثلاثين من البقر قيمتها مائة وخمسون درهما وحال الحول عليها كذلك‏,‏ فإن زكاة العين تجب بغير خلاف لأنه لم يوجد لها معارض فوجبت كما لو لم تكن للتجارة‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى نخلا أو أرضا للتجارة‏,‏ فزرعت الأرض وأثمرت النخل فاتفق حولاهما بأن يكون بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب عند تمام الحول‏,‏ وكانت قيمة الأرض والنخل بمفردها نصابا للتجارة فإنه يزكى الثمرة والحب زكاة العشر ويزكى الجميع زكاة القيمة وهذا قول أبى حنيفة‏,‏ وأبى ثور وقال القاضي وأصحابه‏:‏ يزكى الجميع زكاة القيمة وذكر أن أحمد أومأ إليه لأنه مال تجارة فتجب فيه زكاة التجارة كالسائمة ولنا‏,‏ أن زكاة العشر أحظ للفقراء فإن العشر أحظ من ربع العشر فيجب تقديم ما فيه الحظ‏,‏ ولأن الزيادة على ربع العشر قد وجد سبب وجوبها فتجب وفارق السائمة المعدة للتجارة فإن زكاة السوم أقل من زكاة التجارة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا اشتراها للتجارة‏,‏ ثم نواها للاقتناء ثم نواها للتجارة فلا زكاة فيها حتى يبيعها‏,‏ ويستقبل بثمنها حولا لا يختلف المذهب في أنه إذا نوى بعرض التجارة القنية أنه يصير للقنية وتسقط الزكاة منه وبهذا قال الشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه‏:‏ لا يسقط حكم التجارة بمجرد النية كما لو نوى بالسائمة العلف ولنا أن القنية الأصل‏,‏ ويكفى في الرد إلى الأصل مجرد النية كما لو نوى بالحلى التجارة أو نوى المسافر الإقامة‏,‏ ولأن نية التجارة شرط لوجوب الزكاة في العروض فإذا نوى القنية زالت نية التجارة ففات شرط الوجوب‏,‏ وفارق السائمة إذا نوى علفها لأن الشرط فيها الإسامة دون نيتها فلا ينتفى الوجوب إلا بانتفاء السوم وإذا صار العرض للقنية بنيتها‏,‏ فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرد النية على ما أسلفناه وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ ومالك والشافعي والثوري وذهب ابن عقيل‏,‏ وأبو بكر إلى أنه يصير للتجارة بمجرد النية وحكوه رواية عن أحمد لقوله‏:‏ في من أخرجت أرضه خمسة أوسق‏,‏ فمكثت عنده سنين لا يريد بها التجارة فليس عليه زكاة وإن كان يريد التجارة فأعجب إلى أن يزكيه قال بعض أصحابنا‏:‏ هذا على أصح الروايتين لأن نية القنية بمجردها كافية‏,‏ فكذلك نية التجارة بل أولى لأن الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطا ولأنه أحظ للمساكين‏,‏ فاعتبر كالتقويم ولأن سمرة قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع‏)‏ وهذا داخل في عمومه ولأنه نوى به التجارة‏,‏ فوجبت فيه الزكاة كما لو نوى حال البيع ولنا أن كل ما لا يثبت له الحكم بدخوله في ملكه‏,‏ لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم ولأن القنية الأصل‏,‏ والتجارة فرع عليها فلا ينصرف إلى الفرع بمجرد النية كالمقيم ينوي السفر‏,‏ وبالعكس من ذلك ما لو نوى القنية فإنه يردها إلى الأصل فانصرف إليه بمجرد النية‏,‏ كما لو نوى المسافر الإقامة فكذلك إذا نوى بمال التجارة القنية انقطع حوله ثم إذا نوى به التجارة‏,‏ فلا شيء فيه حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولا‏.‏

فصل‏:‏

فإن كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة‏,‏ وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا كذلك قال الثوري‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء وحول السوم لا ينبنى على حول التجارة والأشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة من أول الحول‏,‏ وجبت الزكاة فيها عند تمامه وهذا يروى نحوه عن إسحاق لأن السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خاليا عن معارض فوجبت به الزكاة‏,‏ كما لو لم ينو التجارة أو كما لو كانت السائمة لا تبلغ نصابا بالقيمة‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى للتجارة ما ليس بنصاب فنما حتى صار نصابا‏,‏ انعقد عليه الحول من حين صار نصابا في قول أكثر أهل العلم وقال مالك‏:‏ إذا كانت له خمسة دنانير فاتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت ما تجب فيه الزكاة‏,‏ يزكيها ولنا أنه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاة‏,‏ كما لو نقص في آخره‏.‏

فصل‏:‏

شراء شقص للتجارة بألف فحال عليه الحول وهو يساوى ألفين فعليه زكاة ألفين

وإذا اشترى للتجارة شقصا بألف فحال عليه الحول وهو يساوى ألفين فعليه زكاة ألفين‏,‏ فإن جاء الشفيع أخذه بألف لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن لا بالقيمة والزكاة على المشترى لأنها وجبت وهو في ملكه ولو لم يأخذه الشفيع‏,‏ لكن وجد به عيبا فرده فإنه يأخذ من البائع ألفا ولو انعكست المسألة فاشتراه بألفين‏,‏ وحال الحول وقيمته ألف فعليه زكاة ألف ويأخذه الشفيع إن أخذه‏,‏ ويرده بالعيب بألفين لأنهما الثمن الذي وقع البيع به‏.‏

فصل‏:‏

وإن دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد صار ثلاثة آلاف‏,‏ فعلى رب المال زكاة ألفين لأن ربح التجارة حوله حول أصله وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ عليه زكاة الجميع لأن الأصل له والربح نماء ماله ولا يصح لأن حصة المضارب له‏,‏ وليست ملكا لرب المال بدليل أن للمضارب المطالبة بها ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال‏,‏ لم يلزمه قبوله ولا تجب على الإنسان زكاة ملك غيره ولأن رب المال يقول‏:‏ حصتك أيها العامل مترددة بين أن تسلم فتكون لك‏,‏ أو تتلف فلا تكون لي ولا لك فكيف يكون على زكاة ما ليس لي بوجه ما وقوله‏:‏ إنه نماء ماله قلنا‏:‏ لكنه لغيره‏,‏ فلم تجب عليه زكاة كما لو وهب نتاج سائمته لغيره إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من المال لأنه من مؤنته‏,‏ فكان منه كمؤنة حمله ويحسب من الربح لأنه وقاية لرأس المال وأما العامل فليس عليه زكاة في حصته حتى يقتسما‏,‏ ويستأنف حولا من حينئذ نص عليه أحمد في رواية صالح وابن منصور فقال‏:‏ إذا احتسبا يزكى المضارب إذا حال الحول من حين احتسبه لأنه علم ماله في المال‏,‏ ولأنه إذا اتضع بعد ذاك كانت الوضيعة على رب المال يعنى إذا اقتسما لأن القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة ألا تراه يقول‏:‏ إن اتضع بعد ذلك كانت الوضيعة على رب المال وإنما يكون هذا بعد القسمة وقال أبو الخطاب‏:‏ يحتسب حوله من حين ظهور الربح يعنى إذا كمل نصابا إلا على قول من قال‏:‏ إن الشركة تؤثر في غير الماشية قال‏:‏ ولا يجب إخراج زكاته حتى يقبض المال لأن العامل يملك الربح بظهوره‏,‏ فإذا ملكه جرى في حول الزكاة ولأن من أصلنا أن في المال الضال والمغصوب والدين على مماطل الزكاة وإن كان رجوعه إلى ملك يده مظنونا‏,‏ كذا ها هنا ولنا أن ملك المضارب غير تام لأنه يعرض أن تنقص قيمة الأصل أو يخسر فيه‏,‏ وهذا وقاية له ولهذا منع من الاختصاص به والتصرف فيه بحق نفسه‏,‏ فلم يكن فيه زكاة كمال المكاتب يؤكد هذا أنه لو كان ملكا تاما لاختص بربحه‏,‏ فلو كان رأس المال عشرة فاتجر فيه فربح عشرين ثم اتجر فربح ثلاثين لكانت الخمسون التي ربحها بينهما نصفين‏,‏ ولو تم ملكه بمجرد ظهور الربح لملك من العشرين الأولى عشرة واختص بربحها‏,‏ وهي عشرة من الثلاثين وكانت العشرون الباقية بينهما نصفين فيملك المضارب ثلاثين‏,‏ ولرب المال ثلاثون كما لو اقتسما العشرين ثم خلطاها وفارق المغصوب والضال فإن الملك فيه ثابت تام إنما حيل بينه وبينه‏,‏ بخلاف مسألتنا ومن أوجب الزكاة على المضارب فإنما يوجبها عليه إذا حال الحول من حين تبلغ حصته نصابا بمفردها أو بضمها إلى ما عنده من جنس المال أو من الأثمان إلا على الرواية التي تقول إن للشركة تأثيرا في غير السائمة وليس عليه إخراجها قبل القسمة‏,‏ كالدين لا يجب الإخراج منه قبل قبضه وإن أراد إخراجها منه قبل القسمة لم يجز لأن الربح وقاية لرأس المال ويحتمل أن يجوز لأنهما دخلا على حكم الإسلام ومن حكمه وجوب الزكاة‏,‏ وإخراجها من المال‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته أو أذن رجلان غير شريكين كل واحد منهما للآخر في إخراج زكاته فأخرج كل واحد منهما زكاته وزكاة صاحبه معا‏,‏ في حال واحدة ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأن كل واحد منهما انعزل من طريق الحكم عن الوكالة لإخراج من عليه الزكاة زكاته بنفسه ويحتمل أن لا يضمن‏,‏ إذا لم يعلم بإخراج صاحبه إذا قلنا إن الوكيل لا ينعزل قبل الحكم بعزل الموكل أو بموته ويحتمل أن لا يضمن وإن قلنا إنه ينعزل لأنه غره بتسليطه على الإخراج‏,‏ وأمره به ولم يعلمه بإخراجه فكان خطر التغرير عليه‏,‏ كما لو غره بحرية أمة وهذا أحسن - إن شاء الله تعالى- وعلى هذا إن علم أحدهما دون الآخر فعلى العالم الضمان دون الآخر فأما إن أخرجها أحدهما قبل الآخر‏,‏ فعلى هذا الوجه لا ضمان على واحد منهما إذا لم يعلم وعلى الأول على الثاني الضمان دون الأول‏.‏